الاتحاد الاشتراكي : 13 - 03 - 2010
في اتجاه الطريق المؤدية إلى «دير القصيبة»، وهي الجماعة التي تقع في دائرة نفوذها الترابي قرية آيت حمو عبد السلام التي عانت من كارثة الفيضانات التي ضربت القرية وخلفت العديد من الضحايا وانهيار المنازل. الطريق إلى موقع الكارثة محفرة وتحولت إلى وديان تجري فيها المياه. جرفت السيول الأحجار والرمال كما خرجت الوديان عن مجاريها. وفي خضم هذه الفاجعة كانت السملالي السعدية إحدى المحظوظات، حيث تمكنت من النجاة بأعجوبة بعدما بقيت محاصرة بالمياه، وقد كان تعلق ثيابها بأحد أجزاء البيت سببا في عدم انجرافها مع السيول.
وقد تم العثور على جثة إحدى النساء على بعد حوالي 7 كيلومترات بالطريق الإقليمية المؤدية إلى جماعة إغرم العلام، في حين عثر على آخر الضحايا في حدود الساعة الخامسة من مساء يوم الكارثة، ويتعلق الأمر بالطفل أدرويش يونس البالغ من العمر 8 سنوات.
وأكد البعض أن سبب الكارثة يعود إلى العوامل التالية : قوة السيول وشدة المنحدرات وكثرة الشعاب والتساقطات المطرية القوية في ظرف وجيز».
في الطريق إلى المنطقة المنكوبة
أخذنا الطريق في الساعة الثالثة والنصف من يوم الخميس 11-03-2010، ساعة ونصف الساعة، قضتها بعثة الجريدة لتقطع طريقا قصيرا بين بني ملال وآيت حمو عبد السلام، السبب وعورة الطريق بعد السيل العارم الذي اجتاح قبل يوم المنطقة، فعلى طول الطريق التي قطعناها عبر أدوز وجماعة فم العنصر ثم تاكزيرت ومداشر فم الزاوية وفرياطة وأساكا وفشتالة وإيخوربة وتانوغة، كانت الطريق التي تسير بمحاذاة سفح الجبال وتشكل خطا يفصلها عن سهل تادلة ، مليئة بالحفر وتغمرها المياه، بل إن المياه تسيل من جهة الجبل حتى أن العابر للطريق لا يكاد يفرق أحيانا بين الطريق وبين الماء ويوشك على الانحراف عن المسار ويعلق بالوحل. بعدها توجهنا نحو الجبل صعودا في اتجاه الدوار المفجوع ، آيت حمو عبد السلام، ثم الدوار الذي ينتصب مباشرة تحت ضاية بوندوز من حيث فاضت السيول، دوار شقوندة حيث جرفت السيول ثلاثة منازل عن آخرها.
تزامن وصول بعثة الاتحاد الاشتراكي مع عملية إحصاء المتضررين التي تقوم بها لجنة إقليمية لإحصاء الخسائر، وارتباطا بهذا تم إخبارنا بأن الوالي حضر في اليوم السابق وأشرف على تقديم مساعدات للمتضررين البالغ عددهم 85 متضررا تتمثل في مواد غذائية ( حليب، دقيق، زيت، شاي، سكر، فول، توابل) وكان توزيع الأغطية حوالي الساعة التاسعة مساء من نفس اليوم لكل فرد بما مجموعه 150 غطاء . وخلال العملية التي حضرنا جزءا من أطوارها كان القائد يناشد السكان الذين لم يتضرروا بالتحلي بالروح الأخوية والإنسانية وأن يساعدوا المحتاجين وأن يتحلوا بالقناعة حتى تصل المساعدات للذين يحتاجونها بإلحاح.
على بعد حوالي 30 كيلومترا من مدينة بني ملال وعلى طول سفوح جبال الأطلس تقع منطقة آيت حمو عبد السلام والتي اعتبرت منطقة منكوبة بسبب السيول الطوفانية القوية التي اجتاحتها، حيث تساقطت أمطار غزيرة في ظرف وجيز لا يتعدى الساعتين منذ الساعة 03 من صباح يوم الثلاثاء 09-03-2010 ،حيث فاجأت السيول القوية والمحملة بالصخور والأشجار والوحل والتي بلغ علوها أزيد من 04 أمتار، السكان وهم نيام، فجرفت المنازل ولم تترك إلا آثارها في حين تصدعت منازل أخرى بشكل جزئي مخلفة 07 قتلى: 04 نساء وطفلان ورجل، إضافة إلى 07 جرحى نقلوا إلى المستشفى الإقليمي بقصبة تادلة فيما تم انتشال جثث الضحايا من طرف رجال الوقاية المدنية بمساعدة أهالي المنطقة واحتفظ بهم بمسجد القرية لتتم مواراتهم الثرى عشية نفس اليوم في موكب جنائزي رهيب، حيث حج إلى مكان الحادث سكان القرى المجاورة ورجال السلطة المحلية. هذا وقد زار والي جهة تادلة أزيلال في حدود الساعة التاسعة من صباح يوم الكارثة ووعد بتقديم المساعدة للسكان المتضررين الذين فقدوا موارد عيشهم واجتاحت مياه السيول والطمي والأوحال منازلهم وأتلفت كافة أثاثهم المنزلي، بالإضافة إلى نفوق أزيد من 300 رأس من الماشية، أغنام، ماعز، أبقار، دواب، ومن ضمن الخسائر المادية التي لحقت المنطقة انهيار أعمدة التيار الكهربائي وانقطاعه عن الدواوير المجاورة ومن ضمنها قرية أشقوندة والتي كانت شعابها ووديانها مصدر الفيضانات لتواجدها بعلية المنطقة، والتي عرفت هي الأخرى انهيار 03 منازل بها. وفي اتصال لنا بالخليفة السادس لرئيس جماعة دير القصيبة وممثل المنطقة المنكوبة محمد إيشان، أكد لنا في تصريح للجريدة أن المنطقة لم يسبق لها أن عرفت مثل هذه الكارثة، وأكد أن جل المنازل المنهارة كانت بمنطقة تملؤها البساتين والخضرة، وأضاف أن السلطات قامت أولا بإرجاع مياه الشرب بعد انقطاعها إضافة إلى أن السلطة وعدت بتوفير الخيام للسكان الذين أصبحوا بدون مأوى.
شهادات مؤثرة
وفي السياق ذاته، توقفنا عند السيدة عبار فاطمة، 55 سنة والتي صرحت لنا وهي تجتر مرارة فقدانها لزوجة ابنها هينو رقية وحفيدتها علابو أسماء، إضافة إلى ضياع كل محتويات المنزل والإسطبل، حيث أكدت على أنها لم يسبق للمنطقة أن عرفت مثل هذه الفاجعة وطالبت بتقديم المساعدة للسكان الذين وجدوا أنفسهم بدون مأوى وبدون أي مورد عيش.
ومن ضمن الخسائر كذلك التي تسببت فيها الكارثة ردم أحد العيون المزودة لمياه الشرب بالمنطقة ويتعلق الأمر بعين سيدي الشامي بمنطقة «اشقوندة».
وحول أسباب الكارثة، دائما ، أكدت الشهادات أن المنطقة لم تعرف مثيلا لها إطلاقا، حيث صرح السيد أوشن عبد الرحمان 29 سنة فلاح وهو من أبناء المنطقة، أن أحد أهم الأسباب هو وجود إحدى الضايات الكبيرة والمسماة «ضاية أكنوش» بأعالي الجبال المجاورة وتشكل لتلاقي 07 شعاب على حدود منطقة تانوغة ومنطقة سيدي بن داود، هذه الضاية، يؤكد ، أنها تظل موردا مائيا لتوريد الماشية إلى حدود شهر يوليوز، إلا أن لامبالاة القيمين على القطاع الغابوي تركوا الغابة المجاورة عرضة للاجتثات وقطع الأشجار مما أدى إلى انجراف التربة وتحويل المجاري والسدود الطبيعية إلى مصدر سيول جارفة كلما تساقطت الأمطار بشكل غزير.
اختلطت حكايات الضحايا بروائح الموت التي يعج بها المكان، فقد نفق عدد كبير من البهائم والمواشي على طريق السيول التي لا يمكن تسميتها شيئا آخر غير سيول الموت بآيت حمو عبد السلام، ولا نظن أنه من السهل أن ينسى المرء ما عاينه وما سمعه من أخبار ومن حكايات الناس الذين عاشوا الحدث ونجوا منه ليحكوه لنا، علما بأنه وعلى بعد 30 كيلومترا ، وعدد ممن نلتقيهم بالطريق يحاولون ثنينا عن الاستمرار في الطريق ويحاولون ردنا بكل ما أوتوا من عبارات معبرة عن شدة خوفهم علينا حتى ظننا أننا نتجه نحو طريق مسدود لا يمكن لداخله أن يعود، لكن إصرارنا كان ضروريا لننقل الخبر بأمانة ودقة أكثر من زيارتنا الأولى التي سبقت بيوم واحد.
كانت لنا عدة حوارات مع ناجين آخرين وأشخاص آخرين شاركوا في عملية الإنقاذ يقدرون بحوالي 30 شابا ، حكوا لنا تفاصيل ما رأوا وفعلوا...
كان الجو ممطرا والمياه تهطل كأنها «سطول» تفرغ من فوق حتى ظننا أن المأساة قد تتكرر، وزاد ذلك من معاناة الأهالي حيث عبر لنا أحد الشبان عن الخوف الذي يسود قائلا إن المنطقة تحتاج إلى طبيب نفساني، وقد شاهدنا أحد المواطنين وقد انتابه فزع شديد بمجرد سماعه لمحرك جرافة اشتغلت على حين غرة.
سألنا بآيت حمو عبد السلام ، القرية التي ينحدر أبناؤها من الشرفاء الأدارسة العلميين من الشريف حمو بن عبد السلام بن مشيش الذي هو من تطوان.
بوسعيدي ادريس، 46 سنة يحكي تجربته وصراعه من أجل البقاء على قيد الحياة «.. لم أحس بشيء حتى استيقظت على صوت ضربة قوية بالباب والسيول التي دخلت محملة بالأحجار الضخمة وأسقطت الحائط فوجدنا أنفسنا أنا وأسرتي وسط الأوحال، قمنا بعدها بإنقاذ الأبناء وهم أربعة أطفال، لقد صعدت بهم لسطح المنزل، ولم ينج الحصان من السيول ».
من جهته صرح لنا الحسين ادرويش ،58 سنة، (أخ الضحية ادرويش علي) قائلا :« تلقيت الخبر حوالي الساعة السابعة والربع من صباح اليوم، هاتفني أخي ولعيد وأنا بالداخلة وأخبرني بوفاة الأخ ادريوش علي، فوجئت بجثة أخي بعد انتشالها صحبة جثة زوجته، وهم ادريوش علي 51 سنة وزوجته ايزة اسالم 45 سنة، والإبن يوسف ادريوش 6 سنوات، كما توفيت عمتي فاطمة عقا 80 سنة. وابن أخي لم يتم انتشاله إلا في حدود الساعة الثانية بعد الزوال، وضاع منزل أخي حيث انهار بالكامل، الحمد لله تم إنقاذ ابنة أخي عمرها 15 سنة (نزهة ادريوش) وقد دفع صراخها الناس إلى إنقاذها بعد أن غمرها الماء إلى حدود الرأس. والمنزل الذي ضاع هو دار الوالدين وفيها كنت أقضي عطلتي وكذلك إخوتي وهم 4 إخوة كلنا في الجندية، اثنان منا متقاعدان واثنان لا يزالان في الخدمة الآن يؤديان مهامهما، لم يعد لنا الآن منزل نأتي إليه هنا..».
ويضيف ادريوش موحى، أخ الضحية ادريوش عقا حيث صرح باكيا :« .. سمعت أصواتا وخرجت أمام المنزل حوالي دقيقتين وكانت الساعة الرابعة وعشرين دقيقة تقريبا، فرأيت «الحملة» وعرفت أن بيت أخي هناك، ولم تسعفني كثرة الأوحال للوصول إلى مكان الجثث إلا بصعوبة. لقد صعدت بسرعة ومع بزوغ الفجر رأيت حائطا واحدا فعرفت أن منزل أخي قد هدم ووجدت الدار العامرة بالرملة، وبدأت البحث فعثرت عليه على بعد كيلومتر واحد، رجل واحدة فقط ظاهرة من الأوحال، مسحت وجهه وتعرفت عليه فصدمت وأخرجته من الوحل، بعد ذلك بقيت بالقرب من بيت أخي لا أعرف ما سأفعله ».
«هنو» أحد الشباب الذين ساهموا في عمليات الإنقاذ صرح للجريدة حول عمليات الانقاذ التي باشرها السكان :«.. كنت أحد الذين قاموا بانتشال الجثث ونحن فريق من الشباب المتطوع متكون من 30 شابا، وأول جثة تم العثور عليها هي جثة أوسالم يزة زوجة ادريوش علي، وذلك بأحد البساتين على بعد حوالي كيلومتر، وبعد ذلك تم إنقاذ نزهة ادريوش 15 سنة مازالت تقبع في المستشفى الجهوي ببني ملال وبها كسر على مستوى الكتف، ورغم صمها وبكمها فقد كانت تصيح ولا يظهر منها سوى الرأس وكان جسدها عالقا حيث يجثم عليه جذع شجرة كبير، وقد تمكنا من إنقاذها، ثم بعد ذلك سمع محمد أهمون صراخا فحاولنا التوجه إليه، ولم نصل إلا بصعوبة حيث كانت السيول قوية لا تتيح عملية الإنقاذ وكنا لا نتمكن من الرؤية سوى بواسطة مصابيح يدوية، فوجدناها أنها الفتاة السعدية السملالي 24 سنة، وأنقذناها، بعد ذلك عثرنا على جثة ادرويش علي ثم عثرنا على عمة المرحوم ادرويش علي الفقيد فاضمة عقا والتي تسكن بالقرب منه أسرة المرحوم ادرويش علي وبعد ذلك عثرنا على جثة المرحومة أهينو رقية زوجة علابو محمد الذي تم إنقاذه بأعجوبة بعدما سمعنا صراخه وهو مجرد من الملابس ومعلق بشجرة زيتون ويصرخ «اعتقو الروح»، فغامرنا وقمنا بمحاولة إنقاذه وكانت ناجحة.
لم يتعاون رجال الوقاية المدنية وخافوا من الصعود إلى أعلى لمساعدتنا في إخراج الجثث واكتفوا بجمعها بعدما أوصلناها، وقد سبب ذلك غضبا واحتجاجا...
اعتقدت أن صوت الزلزال مدافع وسمعت أصوات رياح قوية واعتقدت أن الأمر يتعلق بزلزال، لم تترك السيول للضحايا فرصة الفرار أو إخبار الناس. سمعنا صراخ الناس وهم يحملون مصابيح يدوية لما بلغنا إلى أعلى وجدنا منزل ادرويش علي وقد انهار بالكامل فصدمنا، وبعد مدة بدأنا البحث والإنقاذ. وعدت أنا رفقة ادريوش عقا وهو أخ الضحية فاستبدلت ملابسي وأحضرنا ادريوش زهرة بمنزل أحد الأقارب فقمنا بغسل ملابسها وأحضرنا ابنة..».
قاصي مصطفى منقذ آخر يضيف:«.. تم إنقاذ السعدية السملالي وقد جرفتها المياه على بعد حوالي 300 متر وتم العثور عليها وقد ألصقتها قوة المياه بأحد الأبواب، ولما تمكنت من الانفلات من السيول التي بلغ علوها حوالي المترين التصقت بسياج حديدي وهناك تمكنا من إنقاذها ».
أهينو مصطفى من جهته أضاف قائلا في نفس الموضوع :«.. كنت من بين الذين قاموا بعملية الإنقاذ وقد عثرت على جثة ابنة أخي علابو أسماء وبقيت جالسا بالقرب منها وأنا أصرخ وأقول للمنقذين أن جثة الأم لا يمكن أن تكون بعيدة لأنني أعرف أختي، لا يمكن أن تتخلى عن ابنتها مهما كانت الظروف، كنت مصدوما واستمر الشباب في البحث، وبالفعل وجدوا جثة أختي المرحومة بالقرب منها».
شهادات تبين روح التضامن الذي ساد المنطقة مباشرة بعد الكارثة، تحرك الجميع لانتشال الضحايا وإسعاف الجرحى بالوسائل البسيطة البدائية أمام تأخر وصول الإنقاذ لصعوبة المسالك.
وفي لقاء لنا برئيس جماعة تانوغة، أكد أن مجلس الجماعة حديث العهد. وبالرغم من ذلك فقد سبق أن طلب من المجلس الإقليمي إنجاز سد تلي على واد شقوندة وسدين آخرين تليين بجماعة تانوغة، وهو الشيء الذي لم يتحقق إلى حد الآن. وأضاف أنه سبق وأن تم إنذار السكان المتواجدة مساكنهم بمنحدر الشعاب المذكورة، وهو ما نفاه أحد المواطنين والذي أكد أن هذه المساكن كانت متواجدة لما يزيد عن 60 سنة ، ولم تكن المنطقة قد عاشت مثل هذه الفيضانات.